الأربعاء، 26 فبراير 2020

ماذا بعد؟

*


*


*


بعد أن قضمنا الحياة كتفاحة لامعة، أو بعد أن لعبنا بها مثل سمكة، بعد أن جربنا السعادة، بعد أن لمسنا بأصابعنا السماء وشعرنا بزرقتها، ماذا تبقى أمامنا لننتظره؟ الآلهة.. بل الفجر الدقيق المصنوع من الطوب الرمادي الشاحب! ومن صبية الجرائد وهم يبكون الحرب. 

البروفيسور غرين

*


*


*

ظهر اليوم، كنت كعادتي أشاهد التلفاز على قناة الـBBC برنامج رشا قنديل التي كانت تصدح بصوتها الواثق مواجهة ضيوفها بشراسة أسئلتها وثقافتها العالية، التي لم تعجب أبي بالطبع الذي كان بدوره بتناول غدائه بجانبي، بعد أن طفح به الكيل فأبدى امتعاضه منها، ووصفها بطويلة اللسان. لا أخفيكم أنني كتمت ضحكي وأحسست أنه يخاف من كل إمرأة تبدي ولو قليل من القوة. لحسن حظه أن البرنامج كان مقتطفات قصيرة من اللقاء. فانتهى بدوره وبدأ الإرتياح يظهر على محيا أبي. ما عُرض بعده لم يُبقي شعور الإرتياح طويلاً. فقد كان برنامجاً وثائقياً لمغني راب يُدعى Professor Green بريطاني في العشرينات من عمره، كرس عمله في هذا الفيلم لضحايا الإنتحار ومن تأثر به من عوائلهم، ليُنفس به المآساة التي تعرض لها جراء إنتحار أبوه الأربعيني، فبدأ بعرض مشكلة الإنتحار لدى الذكور في بريطانيا. وكيف أن الرجال لا يعرفون كيف يُفصحوا عن مشاكلهم النفسية والضغوطات التي يتعرضون لها في حياتهم. فيكتمون كل شيء داخلهم حتى لا يستطيعوا السيطرة على عقولهم فيسلكوا درب الإنتحار. لم يكن الموضوع سهل المشاهدة. ولكننا شاهدنا أنا وأبي بإنصات وتركيز لشدة واقعية المشكلة. وأنا أشاهد كنت أجذب طاقة سلبية من أبي فقررت أن ألقي نظرة على ملامحه لأرى ردة فعله ومدى تأثره. فرأيت وجهاً مكفهراً متقززاً وحزيناً بعض الشيء. ولا شك إطلاقاً أنه كان منزعجاً. أخيراً.. أفضى أبي مافي جعبته كالعادة فلعن وشتم القائمين على الفيلم. كتمت ضحكتي وأقررت بنفسي أن ردة الفعل هذه مبررة فهكذا هو أبي. أمر بكلمة منه أن أغير المحطة وأضع القناة السعودية الأولى. بعد الملل الذي عشنا به بعد تغييري للقناة الأولى. سرت به الهواجس فسأل فجاءة: أخوك فلان وينه؟ أجبته أنني لا أعلم. بدت لي ذاكرتي ضبابية وكأنني لم أشاهده منذوا أسبوع. إستطرد فقال: مانشوفه! لا يتغدى معنا ولا يتعشى! وماغير نايم في غرفته! لايكون.. ميت؟؟!! قلت لنفسي ما أسهل قراءتك يا أبي! ولم أستغرب هواجسه وأحسست بقليل من السخرية تظهر فوق ملامحي. ولكن من يعلم ماذا سيحصل لي بعد إذن؟ كان ردي له صامتاً. فسأل مرة أخرى إن كنت قد رأيته اليوم؟ نظرت إليه متفرساً فلاحظت أنه لم يكن معي، حيث أخذته به الهواجيس بعيداًً. هواجيس البروفيسور غرين قلت في نفسي. إنتهى من تناول طعامه وترجل إلى الخارج قاصداً المسجد لصلاة العصر. وبقيت أنا حيث لم ألاحظ نفسي إلا حاملاً جهازي الجوال بيدي ومهاتفاً أخي المنشود. ولكنني لم أحصل على جواب. ضحكت من نفسي وبدأت أُفكر جدياً بمشكلة الذكور ولعنتهم النفسية. صعدت إلى غرفتي. وماهي إلا لحظات حتى لمحت أختي عند باب الشقة المواجه غرفتي تطرق وتنادي. أستغربتها فسألت عن السبب. أجابت: زوجة فلان اتصلت علي من بيت أهلها  تطلب مني أن أعاين زوجها فقد أطال الرقاد! واستمرت في الطرق ولكن لا أحد يجيب. جلست على سريري وجاست بي الأفكار المتعلقة بانتحار الذكور كأب البروفيسور. وتارة تجوس فيني ذكريات، فقد تذكرت أنه البارحة قد طلب مني قلماً ليكتب به بحثاً يخص دراسته الجامعية فهو على وشك التخرج. ويريد أن يكتب بحثاً عن شاعر من تغلب ذائع الصيت يُقال له أبو فراس الحمداني. لكن عقلي الباطن كان لا يزال متعلقاً بمشكلة الذكور الذين لا شك أن أخي منهم! تذاكى علي عقلي أن أبو فراس الحمداني لم يكن إلا حُجة قصد بها التمويه وأنه كان في حالة يأس منعته من أن يبتاع قلماً بدل أن يطلبه مني. والحقيقة أنه كان يكتب رسائل أخيرة موجهة إلينا. بعد أن قرر أن يغادر الحياة كحل أخير..  فهذه عادة المنتحرين عادة أن يتركوا رسائل يقروا بها أن لا أحد كان سبباً في إنتحارهم ليعفوهم من الذنب. بدأت أتساءل وأخاطر نفسي أنني بعيدٌ جداً عنه. لدرجة أنني لا أعرف الكثير مما يخصه ولا حتى ماضيه. أقررت بنفسي أنني أعلم أنه يواجه مصاعب شتى في حياته وعائلته المكونة من زوجة وصبي. ومقر عمله وسكنه البعيد عن عائلته وجماعته. صعدت بي الهواجس أسفل الدرك وأحط السيناريوهات الممكنة التي ما انفككت أن لمت نفسي وعائلتي على إفراطنا المهمل إتجاهه! هذا كان توجهاً واحداً من الأفكار أما التوجه الذي تلاه فقد كان توجهاً يخلصني من العذاب النفسي فيأخذ منحى الشتم واللامبالاة والندب على الحظ الذي أطاحني بعائلة شرقية حيث الفرد يُعتبر عائلة والعائلة فرد. لو أنني لست أتعلق بهم لهذه الدرجة فأن خسرت أحداً فيهم لن أتعذب كثيراُ. كان ملاذا شعورياً للهروب من الذنب. كل هذا والسيناريو الملعون المحبوك في عقلي لا يزال يجري. فبدأ القلق يزيد مع زيادة صوت هاتفي الذي ينذر بإتصال من أختي الأخرى التي هاتفتها الزوجة هي الأخرى سائلة إياها أن تطمئنها على زوجها القابع في الشقة منذو الأمس. وقفت أمام الشقة. أريد أن أفتحه ولا أريد. طرقت وما من مجيب. استسلمت فهبطت مترجلاً. مع قدوم أبي من المسجد. الذي لا زال يحن ويسأل: ماعينت فلان؟ وكانه يسألني للمرة الأولى! فأجيبه بنفس الإجابة النافية. أحزنني هذا القلق الذي بدا وارياً عليه وندمت على قلة نباهتي وكيف أنني لم أُغير المحطة من البداية. فما هو إلا كهل قد قاسَ الفقد مرة مع إبن له وحمل دمه فوق ظهره. تظهر على تجليات هيئته مخاوف أن يقاسيه مرة أخرى بصوة أبشع من السابق. خوف الفقد بعد الفقد لا زال ملتصقاً بروحه. وددت لو أن لدي قدرة سحرية؛ أن أمحو عنه بؤس أيام حياته بعناق أو قُبلة على الجبين. جلسنا معاً نشرب القهوة ولا يخلوا حديثنا من أسئلته المعتادة وأجوبتي النافية! فقررت أن أبين له أنني قد فعلت ما بوسعي. فانظر إلي أفعلها أمامك. حينها تناولت هاتفه بعدما تحججت أن هاتفي خالي من الرصيد. امسكت هاتفه واتصلت على الرجل المنشود. بعد إنتظار عدة ثواني.. كانت المفاجأة.. تردد على مسمعي صوته.. لقد أجاب الرجل.. كنت متفاجىء فحملت الهاتف إلى أبي لكي يرتاح حين يسمع صوته. بعد أن أنهى المكالمة نظرت إليه فبادلني النظرة. تقلصت ملامحه، غطست عيناه داخل وجهه، وظهرت عليه إبتسامة يتوسطها سن وحيد. فأخذنا بالضحك بلا توقف. ضحكات إرتياح بسبب سخرية القدر منا. وكيف أننا أصبحنا بهذه الهشاشة، لا نثق بالقدر ولا الأيام. خطأنا أننا لم نوكل الأمر لله. فمن توكل عل الله لا يخيب!

أنا يا صديقي

*

*

*

أنا يا صديقي
أسير بظل الكلام الذي لا يقال
أُفتش وراء الحقيقة
عن قمر لحواسي الجائـعة!
أُفتش عن فكرة!
تستحل الفراغ الذي يتربص لي . . بالمرايا
أُفتش عما أداري به . . الأرض
من قبل أن يستفيق عليها . . اليباب
أفُتش عن لحظةٍ، لو بحجم رصاصة
ليست تطارد فيها غدي الذكريات!

إلهي

*

*

*

إلهي
سأغني بإسمك
بالعود ذو الأوتار العشرة
إلهي
سأغني بإسمك
لأنك خلقتني بأغرب وأروع شكل!
إلهي
عظامي لم تكن مخفية عنك
عندما كنت أُخلق
كنت في أمعاء الأرض . . أتعفن
إلهي
كل أجزائي قد كُتبت في كتابك
وعينيك . . إلهي
رآت جنيني
عيناك 
رآت جنيني

- فروغ فرخزاد

أحزن

*

*

*

أحــزن
أحزن عندما تصل بنا الحال
أن نجد أنفسنا في أوكار العهر . . عالقون
نبحث عن معنى . . للحياة!
بين أحضان المومسات
أحــزن
أحـزن عندما تكون أقصى أمانيـنا
تكمن بين الشبع والشهـوة
يدنو مآل البؤس في العيش
ليظهر عيـاناً . . أننا 
أننا داخل عقولنا
عالقين!

الأحد، 29 مارس 2015

رغبة

*

*

*

قميص مُمزق
أجسـاد مشتعلة . .
أنفـاس هائجـة . .
رغبـة مُحرمـة . .
تنثر قبلة على يـدي
تُسطر بها تاريـخ من الحرمـان!
أبحث عن رائحتك في جسـدي . .
فإذا بها في عقـلي!
أسهـو بها فأفضح نفسـي!